العام الأكثر دموية بحقّ النساء الفلسطينيات
نحو (240) حالة اعتقال بين صفوف النساء من الضفة والأراضي المحتلة عام 1948 بعد السابع من أكتوبر
أسيرات غزة في مواجهة جريمة الإخفاء القسري
7/3/2024
رام الله - شكّل هذا العام الأكثر دموية بحقّ النساء الفلسطينيات على مدار تاريخ سنوات الاحتلال، وذلك في ضوء العدوان الشامل والإبادة الجماعية المستمرة بحقّ شعبنا في غزة، هذا إلى جانب جرائم الحرب، والانتهاكات الجسيمة التي تعرضنّ لها، وأبرزها عمليات الإعدام الميداني، والاعتقالات الممنهجة، وما رافقها كذلك من انتهاكات مروعة، منها اعتداءات جنسية.
وبمناسبة يوم المرأة الذي يصادف الثامن من آذار من كل عام، قالت مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان)، في تقرير لها، إنّ تاريخ استهداف النّساء الفلسطينيات شكّل إحدى أبرز السّياسات الثّابتة والممنهجة منذ سنوات الاحتلال الأولى، وما نشهده اليوم من جرائم، شهدتها النساء الفلسطينيات على مدار عقود الاحتلال، ولم تكن مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر مرحلة استثنائية على صعيد مستوى الجرائم المروعة التي شهدناها واستمعنا لها عبر العديد من الشهادات، إلا أنّ الفارق هو كثافة ومستوى هذه الجرائم وتصاعدها بشكل غير مسبوق إن ما كنّا قارناها بالفترات التي شهدت فيها السّاحة الفلسطينية انتفاضات وهبات شعبية.
وشكّلت عمليات الاعتقال للنساء ومنهنّ القاصرات، أبرز السّياسات التي انتهجها الاحتلال وبشكل غير مسبوق بعد السّابع من أكتوبر، حيث بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف النساء بعد السابع من أكتوبر، نحو (240)، ويتضمن هذا المعطى النّساء اللواتي تعرضن للاعتقال في الضفة بما فيها القدس، وكذلك النساء من الأراضي المحتلة عام 1948، فيما لا يوجد تقدير واضح لأعداد النّساء اللواتي اعتقلنّ من غزة، حيث أفرج عن عدد منهنّ لاحقًا، إلا أنّه من المؤكد أنّ هناك نساء ما زلنّ معتقلات في معسكرات الاحتلال، وهنّ رهنّ الإخفاء القسري.
وبيّنت المؤسسات أنّه وحتّى إصدار هذا التّقرير، فإنّ عدد الأسيرات القابعات في سجون الاحتلال، وغالبيتهنّ محتجزات في سجن (الدامون) بلغ (60) أسيرة، بينهنّ أسيرتان من غزة يقبعنّ في سجن (الدامون)، فيما نؤكّد مجددًا أنّ لا معلومات حول أعداد أسيرات غزة في معسكرات الاحتلال الإسرائيليّ.
ونستعرض هنا أبرز المعطيات عن الأسيرات المحتجزات في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى تاريخ إعداد التقرير، كما ذكرنا أعلاه يبلغ عدد الأسيرات (60) أسيرة، بينهنّ أسيرتان من غزة، ومن بين الأسيرات قاصرتان، و(24) أمّا، و(12) أسيرة معتقلات إداريًا، ومن بين الأسيرات محامية، وصحفية، و(12) أسيرة من الطالبات، و(11) أسيرة يواجهنّ أمراضًا ومشاكل صحية من بينهن أسيرتان جريحتان، إضافة إلى أسيرات هنّ زوجات لأسرى، وأمهات لأسرى، وشقيقات لشهداء، عدا عن وجود أم شهيد بين الأسيرات. يذكر أنه تبقى ثلاث أسيرات معتقلات منذ ما قبل السابع من أكتوبر يرفض الاحتلال ان تشملهن صفقات التبادل التي ابرمت بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.
وتستعرض المؤسسات أبرز القضايا التي عكستها مرحلة ما بعد السّابع من أكتوبر ضمن حملات الاعتقال الواسعة:
استهداف النساء عبر حملات الاعتقال الواسعة واستخدامهنّ كرهائن:
صعّدت قوات الاحتلال الإسرائيليّ من عمليات الاعتقال الممنهجة بحقّ النّساء الفلسطينيات، بعد السّابع من أكتوبر، في كافة الجغرافيات الفلسطينية، ولم تستثنّ القاصرات، كما شمل ذلك اعتقال النساء كرهائن، بهدف الضغط على أحد أفراد العائلة المستهدفين من قبل الاحتلال لتسليم نفسه، وشكّلت هذه السّياسة إحدى أبرز الجرائم التي تصاعدت بشكل كبير جداً بعد السّابع من أكتوبر، وشملت زوجات أسرى، وشهداء، وأمهات منهنّ مسنّات تجاوزنّ السبعين عامًا، مع الإشارة إلى أنّ هذه السّياسة كذلك طالت فئات أخرى، وليس فقط النّساء، وقد رافق عمليات احتجازهن كرهائنّ عمليات تنكيل وتهديدات وصلت إلى حد التّهديد بقتل نجلها المستهدف أو زوجها، هذا عدا عن الاعتداءات التي تعرض لها خلال عملية الاعتقال، إضافة إلى عمليات التّخريب التي طالت منازلهنّ، وترويع أطفالهنّ، وأبنائهنّ، ومصادرة أموالهنّ ومصاغ ذهب.
الاعتداءات الجنسية بحقّ النّساء الفلسطينيات ومنهنّ الأسيرات:
أكّدت مؤسسات الأسرى أنّ إحدى أبرز الجرائم التي نفّذتها قوات الاحتلال الإسرائيليّ بحقّ النّساء الفلسطينيات، ومنهنّ الأسيرات، الاعتداءات الجنسيّة، والتي تضمنت التّحرش، والتّفتيش العاري، إضافة إلى التّهديد بالاغتصاب، هذا عدا عن إعلان الأمم المتحدة في بيان رسمي لها عن وجود تقارير موثوقة بتعرض معتقلات من غزة للاغتصاب.
وقد تمكّنت المؤسسات من جمع شهادات لأسيرات أفرج عنهنّ تحديدًا خلال دفعات الإفراج التي تمت في شهر نوفمبر العام الماضي، وشهادات لأسيرات داخل السّجون، ولنساء واجه أقارب لهنّ عمليات اعتقال وملاحقة، أكّدن فيها على تعرضهنّ لجملة من الاعتداءات الجنسية.
وشكّل سجن (هشارون) كمحطة مؤقتة لاحتجاز الأسيرات، قبل نقلهنّ إلى سجن (الدامون)، شاهدًا على عمليات التفتيش العاري، التي تعرضنّ لها غالبية الأسيرات، بحسب عشرات الشّهادات التي وثقتها المؤسسات، عدا عن ظروف الاحتجاز المذلّة والمهينة التي تعرضنّ لها، والاعتداءات، ومنها اعتداءات بالضرب المبرّح.
(ففي شهادة وثقتها المؤسسات لإحدى الأسيرات اللواتي اعتقلن بعد السابع من أكتوبر، أكّدت على أنّها تعرضت في أثناء عملية الاعتقال والتّحقيق لاعتداءات وتحرش جنسي ولفظي، حيث قام أحد الجنود بلمسها بطريقة على رأسها، وقدميها بطريقة غير لائقة، وشتمها بمصطلحات بذيئة وتهديدها أكثر من مرة، وكان الجنود يرمون عليها أعقاب السجائر، وبواقي الطعام لإهانتها، كما وتعرضت الأسيرة للضرب أكثر من مرة من قبل جنود الاحتلال؛ مما سبب لها أوجاعًا في أنحاء جسدها، ولم يقدم لها أي علاج.(
ومن ضمن جملة الشّهادات التي وثقت، شهادة لإحدى الأسيرات قالت فيها: "وصلنا أنا وأسيرات إلى سجن (هشارون)، أدخلونا إلى زنزانة أرضيتها مليئة بالماء، ويوجد فيها دورة مياه غير صالحة للاستخدام، ثم تم نقلنا إلى زنزانة أخرى فيها تعرضنّ للتفتيش العاري على يد سجانات، وقامت إحدى السّجانات بضربي على وجهي، بعد أن تعرضت للضرب المبرّح خلال عملية اعتقالي".
وفي شهادة أخرى: "حضرت ثلاث سجانات تعاملن معي بوحشية وبشكل مهين جدًا، وشتموني بأسوأ الألفاظ طوال الوقت دون توقف، وأجبروني على المشي وأنا مقيدة الأطراف، والعصبة على عيني، وطوال الوقت خلال نقلي كانت السجانة تقول هذه ليست بلادكم ارحلوا منها".
أسيرات غزة: شهادات قاسية لتفاصيل اعتقالهنّ
الاحتلال نفّذ وما يزال جريمة الإخفاء القسري بحقّهنّ
منذ بداية العدوان والإبادة الجماعية ومع تنفيذ الاحتلال الاجتياح البري لغزة، نفّذ عمليات اعتقال واسعة لنساء من غزة، واحتجزهن في معسكراته، بالإضافة إلى سجن (الدامون)، وفي ضوء استمرار الاحتلال بتنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحقّ معتقلي غزة، فإنه لا تتوفر للمؤسسات معطيات واضحة عن أعدادهنّ، أو من تبقى منهنّ رهن الاعتقال في المعسكرات الخاضعة لإدارة جيش الاحتلال، أما في سجن (الدامون) فإن أسيرتين من غزة ما زلنّ محتجزات فيه بشكل منفصل عن الأسيرات من المناطق الفلسطينية الأخرى.
ومع الإفراجات التي تمت للعشرات من أسيرات غزة، فقط نقلنّ شهادات قاسية عن عمليات اعتقالهنّ، ونقلهنّ إلى المعسكرات، وما تعرضنّ له من عمليات إذلال وتنكيل وحرمان من كافة حقوقهنّ، وتهديدهن بالاغتصاب، وإخضاعهنّ للتفتيش العاري المذل، وتعرضهنّ للتحرش، عدا عن الألفاظ النابية والشتائم التي تعمد جنود الاحتلال استخدامها بحقّهنّ، وإجبارهنّ على خلع الحجاب طول فترة الاحتجاز، بالإضافة لتعريتهنّ، وهنا نشير مجددًا إلى تقرير الأمم المتحدة التي أشار إلى تقارير موثوقة تتحدث عن تعرض معتقلتين من غزة للاغتصاب.
ونتيجة للظروف الميدانية الصعبة والمعقدة التي تعمل بها المؤسسات الحقوقية في غزة، فإن أغلب هذه الشّهادات وثقّها صحفيون ووسائل إعلام حتى الآن، ولم تتمكن المؤسسات تحديدًا الفلسطينية من توثيق شهادات كاملة لأسيرات غزة.
(60) أسيرة في سجن (الدامون) يواجهنّ ظروف احتجاز قاسية:
تحتجز سلطات الاحتلال غالبية الأسيرات في سجن (الدامون) كسجن مركزي استخدمته تاريخيًا لاحتجاز الأسيرات الفلسطينيات، وفيه اليوم (60) أسيرة، حيث تواجه الأسيرات فيه ظروف احتجاز قاسية وصعبة، جرّاء سياسة العزل الجماعية التي انتهجتها بحقّ الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، عدا عن تعرض الأسيرات تحديدًا في الفترة الأولى بعد السابع من أكتوبر لاعتداءات واسعة، كان من بينها تعرض أسيرات للعزل الانفرادي، ولاعتداءات على يد قوات القمع، ومصادرة كافة مقتنياتهم، وحرمانهنّ من كافة حقوقهنّ، كتواصل مع عائلاتهنّ.
وتعاني الأسيرات اليوم، إلى جانب السياسات التي استعرضنها سابقًا، سياسة التّجويع التي مارستها إدارة السّجون بعد السابع من أكتوبر، بحرمان الأسرى والأسيرات من الحصول على مواد غذائية إضافية من (الكانتينا)، إضافة إلى حرمانهنّ من العلاج، والذي يندرج في إطار الجرائم الطبيّة، كما وألقت حالة الاكتظاظ التي فرضتها إدارة السجون، بثقلها على الأسيرات، الأمر الذي أدى إلى إفراز العديد من ظروف الاعتقال المأساوية داخل سجن (الدامون)، مما اضطرت العديد من الأسيرات النوم على الأرض، هذا عدا عن النقص الحاد في الملابس، والأغطية والتي تعاظمت حدتها في ظل موجة البرد القاسية، فبعض الأسيرات بقيت في ملابسها التي اعتقلت فيها، ولم تتمكن من استبدالها.
كما وعانت الأسيرات من تعمد إدارة السّجون بتزويدهنّ بمياه غير صالحة للشرب ومتسخة.
غالبية الأسيرات هنّ رهنّ الاعتقال الإداريّ أو في مواجهة (تهم) التحريض:
استهدفت النساء الفلسطينيات كما جميع فئات المجتمع الفلسطينيّ، بعمليات الاعتقال الإداريّ التي تصاعدت بشكل غير مسبوق تاريخيًا، حيث بلغ عدد المعتقلين الإداريين حتى نهاية شهر شباط (3558)، من بينها (12) أسيرة معتقلة إداريًا حتى إعداد هذا التقرير، منهنّ صحفية ومحامية، وطالبات جامعيات.
إضافة إلى أنّ بقيت الأسيرات والغالبية منهنّ وجهت لهم (تهمًا) تتعلق بالتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي شكّلت بعد السابع من أكتوبر، أبرز الذرائع التي استخدمها الاحتلال لاعتقال الفلسطينيين في الضّفة بما فيها القدس، وكذلك من الأراضي المحتلة عام 1948.
يذكر أن من أبرز المحطات التي شكّلت فارقًا في تاريخ قضية الأسيرات، هي صفقة التبادل التي تمت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر حيث تم الإفراج في حينه عن (71) أسيرة عدد منهنّ كنّ يقضين أحكامًا لسنوات وصلت لـ16 عامًا، وهم من بين 240 جرى تحريرهم خلال 7 مراحل تضمنتها صفقة التبادل التي تمت في حينه. ومن الجدير ذكره أن الاحتلال أعاد اعتقال أسيرتين أفرج عنهما ضمن الصفقة، فيما استدعى أسيرتين مقدسيتين لمحاكم (مدنية) بادعاء وجود ملفات ضدهما وهما داخل الأسر.
تؤكّد مؤسسات الأسرى وبناءً على الشّهادات والتّصاريح التي حصلت عليها من الأسيرات والمعتقلات الفلسطينيات، أن الاحتلال الإسرائيليّ، مستمر في انتهاك حقوق الأسيرات الفلسطينيات في مراكز التّوقيف والتّحقيق والسّجون، وفي المستشفيات والعيادات الطبية والحواجز ونقاط التفتيش، وتطال تلك الانتهاكات كافة فئات الإناث الفلسطينيات من معلمات وطالبات وأمهات وطفلات وغيرها.
وتوصي مؤسسات الأسرى الأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء بالضغط على دولة الاحتلال لاحترام والإلتزام بالقانون الدوليّ والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان، وتطبيق اتفاقية مناهضه التّعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وتطالب الدول الأطراف المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة بإنهاء الاعتداء الجسديّ والنفسيّ الذي يمارسه جنود الاحتلال خلال اعتقال النساء الفلسطينيات، واعتقالهم غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة، وإنهاء الممارسات التّعذيب الجسديّ والنفسيّ والمعاملة الحاطة بالكرامة بحقّ الفلسطينيات خلال التّحقيق.
(انتهى)