في يوم الأسير الفلسطيني.. المعتقلون والأسرى الفلسطينيون في مواجهة منظومة الفصل العنصري

مقدمة

لم تتوانَ سلطات الاحتلال عن ملاحقة واعتقال مختلف فئات الشعب الفلسطيني حتى في ظل انتشار فايروس كورونا في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حيث اعتقلت خلال العام 2020 ما يقارب 4634 شخصا، بينهم 543 طفلاً و128 امرأة، بالإضافة إلى أنها أصدرت 1114 أمر اعتقال إداري.

كما فرضت سلطات الاحتلال جملة من الإجراءات التي ساهمت في تفاقم ظروف الأسر بحجة خطر تفشي فايروس كورونا، أبرزها عزل الأسرى الفلسطينيين عن محيطهم الخارجيّ؛ من خلال منع زيارات المحامين وزيارات الأهالي، واستمرت في اقتحام أقسام الأسرى مما يشكل خطرا، لإمكانية نقل العدوى إليهم خلال هذه الاقتحامات.

بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين مع نهاية شهر آذار 2021 ما يقارب 4450 مواطنا ومواطنة، منهم 37 أسيرة، و140 طفل، و440 معتقل إداري. كما ويقبع في سجون الاحتلال 15 صحفياً، ومئات طلبة الجامعات، بالإضافة إلى 10 نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني.

خلال العام 2020، استشهد 4 أسرى في سجون الاحتلال، وهم نور الدين البرغوثي، سعد الغرابلي، داوود الخطيب، وكمال أبو وعر. وما زالت سلطات الاحتلال تحتجز جثامين 7 أسرى استشهدوا منذ العام 1967 حتى 2020.

يتعرض الأسرى في سجون الاحتلال إلى الإهمال الطبيّ المتعمّد، مما يشكل خطراً على حياتهم، ويؤدي في أحيان عديدة للاستشهاد، كما حدث مع الأسير كمال أبو وعر الذي استشهد نتيجة لإصابته بمرض السرطان ومن ثم فايروس كورونا. كما وتتعمد سلطات الاحتلال المماطلة في تقديم الرعاية الصحية للأسرى مما يفاقم أوضاعهم الصحية، خاصة الأسرى المرضى والقابعين فيما يسمى "عيادة سجن الرملة" والتي يتواجد فيها ما بين 12 – 14 أسيرا بشكل دائم.

شهد العام 2020 كغيره من الأعوام تصدي الأسرى والمعتقلين لسياسات الاحتلال المختلفة، وأبرزها سياسة الاعتقال الإداري التعسفي، حيث خاض ما يقارب 11 معتقلا إضراباً مفتوحاً عن الطعام ضد اعتقالهم الإداريّ التعسفي، بالإضافة إلى دخول عدد من الأسرى في إضراب عن الطعام ضد سياسة العزل التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسرى في ظروف غير إنسانية. 

 

عزل الأسرى والأسيرات بحجة خطر تفشي فايروس كورونا

منذ انتشار فايروس كورونا، عملت سلطات الاحتلال على فرض العزلة التامة على الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين؛ فبعد إعلان حالة الطوارئ في دولة الاحتلال، مُنع المعتقلون من زيارات المحامين، بالإضافة إلى الزيارات العائلية. كما اتخذت سلطات الاحتلال إجراءات متنوعة تهدف في مضمونها لفرض مزيدٍ من القمع والسيطرة على الأسرى، وأبرز هذه الإجراءات ما اتبعته المحاكم العسكرية الإسرائيلية في محاكمة المعتقلين، حيث أوقفت نقل الأسرى للمحاكم، وأصبحت آلية عقد الجلسات تتم عبر تقنية الفيديو كونفرنس، وأبرزت هذه الإجراءات خروقات واضحة للحق في محاكمة عادلة، فعدا عن حرمان المعتقل من مقابلة محاميه بسرية، أدى عقد المحاكمة عبر الفيديو إلى إشكاليات عدّة، أبرزها عدم سماع المعتقل أو فهمه لما يدور في جلسة المحاكمة، وغياب الترجمة الواضحة لمجريات الجلسة، بالتالي يفقد المعتقل حقه في فهم طبيعة ما يحدث وما يقدم ضده.

إن إشكاليات المحاكم العسكرية وانتهاكها المستمر لحقوق الأسرى والمعتقلين ليس بالأمر الحديث؛ إذ تفتقر منذ إنشائها لمقومات المحاكمة النظامية والمهنية والمحايدة، ولكن برزت هذه الخروقات بشكلٍ جلي مع تغيير الإجراءات بعد إعلان حالة الطوارئ، مما يكرس اعتبار هذه المحاكم جزءاّ من نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

إضافة إلى الإجراءات التي اتُبعت في المحاكم، لم تكن ظروف السجون أكثر إنسانية، حيث عانى المعتقلون والأسرى في كافة السجون من ظروف صعبة في ظل تفشي فايروس كورونا، ابتداءً من الاكتظاظ الشديد في أقسام الأسرى وصولاً إلى تفشي الفايروس بين الأسرى بوتيرة عالية. ادّعت إدارة مصلحة السجون في البداية محاولتها اتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع تفشي الفايروس، وتمثلت في توزيع الصابون وعلب كلور صغيرة على الأسرى، بالإضافة إلى التعقيم داخل الغرف وتقليص احتكاك السجانين بالأسرى، إلا أن هذه الإجراءات الشكلية لم تمنع لحظة تفشي الفايروس بين الأسرى من خلال محققي وسجاني الاحتلال.

منذ انتشار فايروس كورونا في السجون، أصيب ما يقارب 368 أسيراً، موزعين على مراكز التوقيف والتحقيق، بالإضافة إلى السجون: عوفر، النقب، جلبوع، وريمون. وكان الاكتظاظ في السجون سبباً لتفشي الفايروس بشكل كبير بين الأسرى، فالمساحة المتوفرة لكل أسير صغيرة جداً ولا تسمح بتباعد كافِ. كما عانى المعتقلون في مراكز التوقيف كعتصيون وحوارة من ظروف قاسية جداً، حيث عملت سلطات الاحتلال على حجر المعتقلين الجدد في مراكز التوقيف قبل نقلهم إلى السجون، في حالة سيئة تمثلت في قذارة الزنازين، ورداءة الطعام وقلته، بالإضافة إلى قذارة الأغطية والبطانيات ونقصها في ظل البرد القارس، ولم يتم تزويد المعتقلين بوسائل النظافة كالصابون وفرشاة الأسنان والمنشفة خلال فترة الحجر.

 

   النظام القضائي العسكري في مواجهة المعتقلين

 

على مدار أكثر من 5 عقود، عمل النظام القضائي العسكري بشكل تكاملي مع النيابة العسكرية والمخابرات لفرض السيطرة على الشعب الفلسطيني؛ إذ تحاكم المحاكم العسكرية الإسرائيلية المدنيين الفلسطينيين من مختلف الفئات؛ تستهدف الطلبة والنشطاء والقيادات السياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتصدر بحقهم أحكاماً عالية كعقوبة على عملهم النقابي أو السياسي المشروع والمكفول بموجب كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية، وذلك في إطار منع أي عمل مناهض للاحتلال حتى لو كان عملاً مدنياً نقابياً.

يؤدي القضاة العسكريون دوراً صورياً في جلسات الاعتقال الإداري، حيث يصادقون على قرار المخابرات فيما يتعلق بأوامر الاعتقال الإداري وتجديدها، ولا يرفض القاضي قرار المخابرات بحق المعتقلين الفلسطينيين إلا في أحيان قليلة. إن صورية دور القاضي العسكري تظهر تعسّف المحاكم العسكرية، ومدى خرقها لضمانات المحاكمة العادلة الأساسية كحق المعتقل في معرفة طبيعة التهم الموجهة إليه، حيث يزجّ المعتقل في السجون بادعاء وجود ملف سري لا يمكن له أو لمحاميه الاطلاع عليه، وبالتالي يعد خرقاً لحق الدفاع، فلا يمكن للمحامي تقديم دفاعه بشكل فعال في ظل عدم اطلاعه على المواد المقدمة في ملف المعتقل.

عدا عن خرق المحاكم العسكرية المستمر لضمانات المحاكمة العادلة، تعمل هذه المحاكم على التغطية على جرائم التعذيب، في تواطؤ مستمر مع المخابرات والنيابة العسكرية ومنظومة الفصل العنصري. حيث عمل القضاة العسكريون في الفترة الأخيرة ومع تزايد ممارسة التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين على تمديد توقيف المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب على الرغم من مشاهدتهم الآثار الجسدية التي طُبعت على أجساد المعتقلين، وعلى الرغم من حديث المعتقلين أمام القضاة عن ظروف التحقيق القاسية والتعذيب الذي يتعرضون له خاصة في ظل منعهم من لقاء محاميهم، وذلك في إطار إعطاء القضاة الشرعية للمحققين لاستكمال التعذيب الجسدي والنفسي.

 

إن نهج سلطات الاحتلال مستمرٌ في التغطية على جرائم التعذيب، وكان آخرها بداية العام الحالي، حين قرر المستشار القانوني الإسرائيلي إغلاق ملف التحقيق ضد عدد من محققي الشاباك في قضية استخدام التعذيب أثناء التحقيق مع المعتقل سامر عربيد، بحجة عدم وجود أدلة لارتكاب مخالفة جنائية بحقه. يعتبر ذلك بمثابة تصريح واضح لاستخدام التعذيب أثناء التحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين دون محاسبة، ويثبت هذا القرار جرائم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بحق الفلسطينيين على الرغم من حظر التعذيب بشكل مطلق وفقاً لاتفاقية مناهضة التعذيب، التي وقعت عليها دولة الاحتلال منذ ما يقارب 30 عاماً، إلا أن ممارسات هذا النظام لا زالت قائمة على التعذيب والقمع والاضطهاد دون محاسبة.

إن ممارسات النظام القضائي العسكري وخرقه المستمر لضمانات المحاكمة العادلة، بالإضافة إلى التغطية على جرائم التعذيب وبشكلٍ ممنهج، هي جرائم تستوجب مساءلة ومحاكمة دولة الاحتلال وقادتها وقضاتها في محاكمة دولية، تحديداً في ظل امتناع دولة الاحتلال عن محاكمة المجرمين الذين يقترفون هذه الجرائم، والتغطية عليها وتشريعها.

إضافة إلى الجرائم الفظيعة التي يرتكبها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، يسعى هذا النظام إلى تجريم أي عمل مقاوم للاحتلال، حيث يجرّم الأطر الطلابية والمجموعات الشبابية التي تمارس العمل النقابي والتطوعي والثقافي الاجتماعي، وكان آخرها اعتبار إطار القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي في جامعة بيرزيت جمعية محظورة، وأصبحت المحاكم العسكرية تحاكم الطلبة بادعاء عملهم ضمن إطار القطب الطلابي بالسجن الفعلي لمدد تتراوح ما بين 12 شهراً و16 شهراً، في انتهاك صارخ لحق الأفراد المكفول بالعمل النقابي والطلابي.

إن جرائم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي تتعاظم مع مرور الزمن وتتخذ شكلاً "قانونياً" في محاولة لتشريع ممارستها، في ظل صمت العالم أجمع عن تعرية هذه الممارسات والمحاسبة عليها، أو العمل على القضاء على هذا النظام العنصري الذي يقف أمام حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والتحرر من الاحتلال.

وعليه، فإنّ الوقت قد حان للمجتمع الدوليّ أن يتّخذ الخطوات اللازمة للإعلان عن هذا الاحتلال، وكلّ سياساته وإجراءاته كواقع غير قانونيّ يجب إنهاؤه فوراً، وإنهاء النظام القضائيّ العسكريّ العنصريّ، وضمان حقّ الشعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره.  إضافة إلى ضرورة مساءلة دولة الاحتلال ومحاسبتها على جرائمها المستمرّة بحقّ الشعب الفلسطينيّ.