ورقة موقف: سحب تقرير الإسكوا تستر على جريمة: ريما خلف، ريتشارد فولك، وفيرجينيا تالي اسسوا لمرحلة ومنهج جديد لإنهاء الاحتلال

 

 

ورقة موقف

مجلس منظمات حقوق الانسان

سحب تقرير الإسكوا تستر على جريمة: ريما خلف، ريتشارد فولك، وفيرجينيا تالي اسسوا لمرحلة ومنهج جديد لإنهاء الاحتلال

 

مقدمة

إن سحب تقرير يطرح ادلة مفصلة على ارتكاب اسرائيل لجريمة ابارتايد ضد الشعب الفلسطيني من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بالرغم من صدوره عن أحد هيئاتها ومعد من قبل خبراء بمستوى رفيع وعالمي، هو بمثابة تستر على جريمة، بما يقوض مصداقية النظام العالمي لحقوق الانسان، والتي تعتبر الأمانة العامة للأمم المتحدة أحد اركانه.  يؤكد مجلس منظمات حقوق الانسان إن قرار الأمين العام للأمم المتحدة بسحب التقرير يمثل مساهمة في تحصين اسرائيل من العقاب على جريمة ضد الانسانية كشف التقرير عن توافر كافة اركانها، وهو ما يجعله بمثابة شريك في معاناة الشعب الفلسطيني تحت نظام الابارتيد الإسرائيلي.

 

وقد عرض التقرير، والذي تم سحبه بتاريخ 17 مارس 2017 من على موقع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) بعد يومين من نشره، حقائق طالما وثقتها ونشرتها مؤسسات حقوق الانسان الفلسطينية والعالمية، وتضمنته العديد من الابحاث الموضوعية التي تم تجاهلها، لمجرد إنها تمثل خطوط حمراء للدول الكبرى الداعمة للاحتلال الاسرائيلي.  ويؤكد المجلس أن التقرير يستحق الاشادة من حيث موضوعه ودقة محتواه، وكان الأولى بالأمين العام العمل من أجل ضمان تنفيذ توصياته بدلاً من سحبه.

 

وقد كشف التقرير حقيقة سياسة الابارتيد الاسرائيلية ضد الفلسطينيين والتي بدأت منذ قيامها العام 1948، وكيف قسمت الشعب الفلسطيني إلى أربعة اقسام، وأخضعت كل قسم لقوانين تمييزية تضمن من خلالها تفوق العرق اليهودي على الفلسطيني.  وكذلك بين التقرير ما فعلته اسرائيل خلال 50 عاماً في الارض المحتلة عام 1967 لتضمن عزل الفلسطينيين عن دولة اسرائيل وما مارسته ضدهم من اضطهاد لضمان التفوق الديمغرافي والاجتماعي والاقتصادي للعرق اليهودي.

 

تعتبر استقالة الدكتورة ريما خلف، الأمينة التنفيذية للإسكوا، في اعقاب قرار الأمين العام بسحب التقرير، بمثابة صفعة في وجه الضغوط التي تمارسها عدد من الاطراف الدولية على الأمم المتحدة للإبقاء على اسرائيل دولة فوق القانون ومحصنة من المحاسبة.  ويثمن المجلس عالياً جهود معدي التقرير، اصحاب المواقف الموضوعية الملتزمة بمبادئ حقوق الانسان، البروفيسور ريتشارد فولك، مقرر الأمم المتحدة السابق الخاص بمسألة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، والبروفيسور فرجينيا تالي، استاذة العلوم السياسية في جامعة إلينوي الجنوبية.  ويرى المجلس أن هذا التقرير يؤسس لمرحلة ومنهج جديد في النضال لإنهاء جريمة الاحتلال الاسرائيلي، ويدعو المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة وكافة المؤسسات لتنفيذ التوصيات الواردة فيه.

 

ومن الجدير بالذكر أن اللجنة الإقليمية لغرب اسيا هي إحدى اللجان الخمس التي شكلتها الأمم المتحدة لتحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية التي حددها ميثاق الأمم المتحدة، وقد انشئت بتاريخ 1973، بموجب قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم 1818 (د55)، وتضطلع بمهمة تعزيز التعاون والتكامل بين البلدان الاعضاء وتشجيع التنمية المستدامة.

 

فيما يلي تبيان لموقف مجلس منظمات حقوق الانسان الفلسطينية من التقرير وسحبه، في اربعة محاور:  المحور الأول يتناول أهمية التقرير، أما المحور الثاني فيبرز الدلالات الخطيرة لسحبه، أما المحور الثالث فيستعرض مختصر لفكرته.  وأخيرا تقدم هذه الورقة توصيات لصناع القرار.

 

أولاً: أهمية تقرير الإسكوا

تكمن أهمية التقرير في موضوعه وجهة اصداره ومكانة ومصداقية من قاموا بإعداده، حيث يعتبر التقرير الأول من نوعه الذي يصدر عن أحد هيئات الأمم المتحدة، بعد تجاهل طويل لهذه الجريمة القائمة ضد الشعب الفلسطيني منذ عقود.  ويمثل ما جاء في التقرير منحى جديد في فهم نظام الابارتيد الذي اقامته اسرائيل للسيطرة على الشعب الفلسطيني، والذي من خلاله اسست للسيطرة الدائمة للعرق اليهودي، حيث شمل التقرير الفلسطينيين في كافة مناطق فلسطين التاريخية، وليس فقط الأرض المحتلة عام 1967.

 

وتبرز أهمية التقرير ايضاً في توقيته، حيث يأتي في ظل تصاعد سياسة الاستيطان الاسرائيلي والتصريحات المعلنة للقادة الاسرائيليين والتي تشير إلى نية السلطات الاسرائيلية ضم الضفة الغربية، وهو ما تمت ترجمته من خلال سن ما يعرف بـ "قانون التسوية" والذي يشرعن البؤر الاستيطانية القائمة على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية ويسمح بمصادرة ارض جديدة.  وهذا القانون كان بمثابة اللمسة الاخيرة من الصورة التي اكتمل بها نظام الابارتيد الاسرائيلي في المناطق المحتلة عام 1967.  كما يأتي التقرير بعد شهور قليلة من قرار مجلس الأمن رقم (233) والقاضي بإدانة الاستيطان الاسرائيلي، واعتباره غير قانوني، ومطالبة دول العالم بالتعامل على هذا الاساس.  وبذلك، فقد جاء هذا التقرير ليضع النقاط على الحروف ويكشف ما اسست له اسرائيل في العقود السابقة، ليضع المجتمع الدولي بكل مكوناته أمام مسؤولياتهم، ويكشف الوجه القبيح لداعمي استمرار الاحتلال الاسرائيلي.

 

كما ويمثل التقرير أهمية خاصة لما يتمتع به من مصداقية عالية من حيث اعتماده على معلومات مثبتة بالوثائق ومقرة من الجميع، حيث اعاد عرضها بتراتبية شديدة الدقة لتتضح معها صورة نظام الابارتيد بشكل جلي.  كما إن التقرير اعد من قبل أثنين من القامات الرفيعة المعروفة والمشهود لها بالكفاءة والموضوعية في مجال حقوق الانسان والبحث العلمي.  وقد شغل أحدهما، وهو البروفيسور ريتشارد فولك، منصب مقرر الأمم المتحدة الخاص بمسألة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، لست سنوات 2008- 2014، وهو ما يعطيه دراية تفصيلية بالوضع داخل الارض الفلسطينية.  ويعتبر الباحث الثاني، البروفيسور فرجينيا تالي، استاذة العلوم السياسية في جامعة إلينوي الجنوبية، أحد ابرز الباحثين في مجال الصراعات العرقية والاثنية المقارن، والتي شغلت منصب باحث رئيسي وخبيرة في مجلس ابحاث العلوم الانسانية في جنوب افريقيا لأكثر من ثلاث سنوات 2007-2010، حيث كانت تقود مشروع المجلس في الشرق الأوسط.

 

ثانياً: دلالات سحب التقرير

يمثل سحب التقرير انتكاسة حقيقية لمصداقية الأمم المتحدة، حيث أظهرها في دور المتستر على الجريمة والداعم للحصانة، وهي التي طالما اعلنت مراراً عن رفضها للحصانة بشكل قاطع، وخاصة لمجرمي الحرب.  وقد كان لموقف الدكتورة ريما خلف، بإعلان استقالتها ونشرها دوراً مهماً في كشف حجم الضغوط التي تمارس على الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية بشكل عام للتستر على الجرائم الاسرائيلية وتحصين قادتها من المساءلة.  وهذا واضح ايضاً من الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة واسرائيل لمنع المحكمة الجنائية الدولية من فتح تحقيق في الجرائم الاسرائيلية ضد الفلسطينيين.

 

وقد حاول ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في اعقاب قبوله استقالة الدكتورة خلف، تبرير سحب الأمين العام للتقرير، وقال إن سحبه لم يكن بسبب موضوعه، ولكن لعدم اتباع الاجراءات اللازمة لنشره.  وبالمقابل، أكدت السيدة خلف في استقالتها، التي قدمتها بتاريخ 17 مارس 2017، إنها تقدر حجم الضغوط والتهديد والترهيب الذي تعرض له الامين العام لكي يقوم بإصدار أمر بسحب التقرير، ولكنها استطردت تخاطب الأمين العام للأمم المتحدة:

 

".. أجد نفسي غير قابلة للخضوع إلى هذه الضغوط  لا بصفتي موظفةً دوليةً، بل بصفتي إنساناً سوياً فحسب، أؤمن –شأني في ذلك شأنك-بالقيم والمبادئ الإنسانية السامية التي طالما شكلت قوى الخير في التاريخ، والتي أُسست عليها منظمتنا هذه، الأمم المتحدة... لقد رأيتَ رأي العين كيف أن أهل هذه المنطقة يمرون بمرحلة من المعاناة والألم غير مسبوقة في تاريخهم الحديث؛ وإن طوفان الكوارث الذي يعمهم اليوم لم يكن إلا نتيجة لسيل من المظالم، تم التغاضي عنها، أو التغطية عليها، أو المساهمة المعلنة فيها من قبل حكومات ذات هيمنة وتجبر، من المنطقة ومن خارجها. إن هذه الحكومات ذاتها هي التي تضغط عليك اليوم لتكتم صوت الحق والدعوة للعدل الماثلة في هذا التقرير.."

وقد أظهر جواب استقالة الدكتورة خلف قبح الصورة ومدى الحصانة التي تتمتع بها اسرائيل، وتورط الأمم المتحدة بشكل مباشر في إخفاء ملامح جرائم الاحتلال، طالما وجدت سبيلاً لذلك.  ومحاولة إخفاء تقرير الإسكوا ليست السابقة الأولى للأمم المتحدة في حماية اسرائيل، بل سبق ذلك العديد من المواقف السلبية الحامية للاحتلال.  

 

ثالثاً: محتوى التقرير

يسجل هذا التقرير علامة فارقة في فهم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، حيث أجمل ما وصل إليه هذا الصراع من سيطرة اسرائيلية ونجاحها في إقامة نظام فصل عنصري محكم، عملت على بنائه بالتدريج عبر عقود.  وتناول التقرير كافة جوانب نظام الابارتيد الذي اسسته السلطات الاسرائيلية لاضطهاد الفلسطينيين، والذي أكد  معدوه أن وصف اسرائيل بأنها دولة ابارتيد ليس سياسياً بل وصفاً قانونياً، كأحد صور الجرائم ضد الانسانية كما عرفتها المادة (7) من ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.  وقد أثبت التقرير وجود كافة اركان جريمة الابارتيد في السياسات الاسرائيلية المتبعة ضد الفلسطينيين، كما فند الجدل الاسرائيلي في هذا السياق.

 

وكان ابرز سمات نظام الابارتيد التي كشف عنها التقرير هي: تقسيم الفلسطينيين إلى اربعة اقسام، وإخضاع كل قسم منهم إلى نظم وقوانين مختلفة، وحرمانهم من الملكية في داخل اسرائيل، وتشجيع الهجرة اليهودية في الوقت التي يمنع فيه عودة اللاجئين الفلسطينيين.  ويضاف إلى ذلك العديد من القوانين التمييزية والتي وضعت لتضمن تفوق وسيطرة العرق اليهودي على الفلسطيني. وقد حدد التقرير اربع فضاءات تمارس فيها اسرائيل سياسات الابارتيد ضد الفلسطينيين، ويرى التقرير إن مجموعها يشكل نظام ابارتيد واحد وشامل يهدف إلى ضمان سيطرة عرق على آخر:

 

الفضاء الأول: الفلسطينيون مواطني دولة اسرائيل، وعددهم 1,7 مليون، والذين عاشوا خلال العشرين سنة الأولى من قياد دولة اسرائيل تحت الحكم العسكري، وبعدها تم فرض الجنسية الاسرائيلية عليهم، دون أن تعطى حقوق المواطنة كاملة لهم، ويتعرضون للتمييز والاضطهاد، من خلال قوانين وممارسات عنصرية.  واشار التقرير إلى حصانة القوانين التمييزية والتي تعتبرها اسرائيل وسيلة للحفاظ على ما يسمى "قوميتها اليهودية".

 

الفضاء الثاني: الفلسطينيون أهل القدس، وذكر التقرير إنهم حرموا من حقهم في المواطنة، حيث لا تعترف بهم اسرائيل كمواطنين، ويتعرضون للتمييز والاضطهاد والابعاد من المدينة، بالإضافة إلى هدم منازلهم، من أجل الحفاظ على التفوق اليهودي في المدينة. ويضاف إلى ذلك العديد من الانتهاكات الاخرى المتعلقة بالتدابير التمييزية التي تتخذها اسرائيل ضد الفلسطينيين هناك فيما يتعلق بالحق في الصحة والتعليم والعمل والسكن.

 

الفضاء الثالث: ويشمل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث أكد التقرير إن تعريف جريمة الابارتيد ينطبق تماماً على هذه المناطق. وتناول التقرير ابرز اشكال الاضطهاد والتنكيل التي تمارسها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين على اساس عرقي، وحقيقة تطبيقها القانون العسكري على الضفة الغربية وقطاع غزة، في الوقت الذي تطبق القانون المدني الاسرائيلي على الإسرائيليين الذين يعيشون في المستوطنات المقامة هناك.

 

الفضاء الرابع: ويشمل الفلسطينيين في الشتات، والذين حرموا من حقهم في العودة إلى اراضيهم وبيوتهم، في الوقت الذي تقوم فيه بتشجيع الهجرة اليهودية.  وتعلن اسرائيل وبشكل واضح إن هدف سياستها من ما اسمته "التهديد الديمغرافي" للفلسطينيين.  وهي تقر بذلك، إنها تعمل على ضمان سيطرة العرق اليهودي على الفلسطينيين.

 

ووضع التقرير توصيات مفصلة تمثل خارطة طريق للعمل على القضاء على نظام الابارتيد الذي اخضعت له الفلسطينيين لعقود.  وقد وضع التقرير توصيات للمجتمع الدولي، الأمم المتحدة، الشركات العالمية، المجتمع المدني، وللإسكوا نفسها. وكانت التوصيات تنصب على ضرورة العمل مقاطعة هذا النظام، وسحب الاستثمارات منه سواء من قبل الدول أو الشركات.  كما اوصى التقرير الأمم المتحدة وأجهزتها ذات العلاقة ومختلف الجهات الدولية بمتابعة مدى التزام اسرائيل بـ"الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لسنة 1973"، باعتبار تجريم الابارتيد من النصوص الدولية الآمرة الملزمة للجميع والتي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها.  كما وطالب الجمعية العامة بإعادة احياء اللجنة الخاصة بمناهضة جريمة الابارتيد المشكلة في العام 1962، ومركز الأمم المتحدة الخاص بمناهضة جريمة الابارتيد والتي كانت قد مارست عملها في الفترة 1976- 1991، بهدف متابعة معاناة الفلسطينيين تحت نظام الابارتيد الاسرائيلي.

 

رابعاً: توصيات مجلس منظمات حقوق الانسان الفلسطينية

1.      يطالب مجلس منظمات حقوق الإنسان الأمين العام للأمم المتحدة بالتراجع عن سحب التقرير، واعادة نشره.

2.      يطالب الأمين العام بالعمل على تبني التوصيات التي جاءت في التقرير، والعمل على تنفيذها.

3.      يطالب مجلس حقوق الانسان بتشكيل لجنة تحقيق للوقوف على الحقائق الواردة في التقرير وتكيفها ورفع النتائج للمجلس، تمهيداً لعرضها على مجلس الأمن والجمعية العامة.

4.      يطالب السلطة الفلسطينية بالتحرك من أجل اعادة نشر التقرير والسعي من خلال الجمعية العامة لتنبي توصياته على نطاق واسع.

5.      يطالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في ارتكاب اسرائيل جريمة الابارتيد ضد الفلسطينيين، وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمة.